نشأة البحث العلمي: يرتبط البحث العلمي في تاريخه العتيق بمحاولة الإنسان الدائبة للمعرفة وفهم الكون الذي يعيش فيه، وقد ظلت الرغبة في المعرفة ملازمة للإنسان منذ المراحل الأولى لتطور الحضارة.. وعندما حمل المسلمون العرب شعلة الحضارة الفكرية للإنسان، ووضعوها في مكانها السليم، كان هذا إيذاناً ببدء العصر العلمي القائم على المنهج السليم في البحث، فقد تجاوز الفكر العربي الإسلامي الحدود التقليدية للتفكير اليوناني، وأضاف العلماء العرب المسلمون إلى الفكر الإنساني منهج البحث العلمي القائم على الملاحظة والتجريب، بجانب التّأمل العقلي، كما اهتموا بالتحديد الكمي واستعانوا بالأدوات العلمية في القياس. وفي العصور الوسطى بينما كانت أوروبا غارقة في ظلام الجهل كان الفكر العربي الإسلامي يفجر في نقلة تاريخية كبرى ينابيع المعرفة. ثم نقل الغربُ التراثَ الإسلامي، وأضاف إليه إضافات جديدة حتى اكتملت الصورة وظهرت معالم الأسلوب العلمي السليم، في إطار عام يشمل مناهج البحث المختلفة وطرائقه في مختلف العلوم، التطبيقية والإنسانية(1).
فقد تمثل المسلمون المنهجية في بحوثهم ودراساتهم في مختلف جوانب المعرفة.. والمنهجية التي اختطوها لأنفسهم تلتقي كثيراً بمناهج البحث الموضوعي في عصرنا، وشهد بذلك بعض المستشرقين الذين كتبوا مؤلفات يشيدون فيها بما يتمتع به العلماء المسلمون من براعة فائقة في منهج البحث والتأليف، ويبدو ذلك واضحاً في كتاب (مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي) للمستشرق (فرانتر روزنتال) (2).
ويذكر (الصباب،1413) أن (الدراسات المقارنة للمنهج العلمي الحديث والمنهج الذي سار عليه المسلمون في مجال علوم الطبيعة والكون أثبتت أن المنهج العلمي الحديث وأسلوب التفكير المنطقي قد توفر لدى علماء المسلمين في بحوثهم واكتشافاتهم في مجال الطب والكيمياء والصيدلة وعلوم الكون وبقية فروع العلم التطبيقي) (3).
وهكذا يتبيَّن للباحث: إسلامية وعربية البحث العلمي من حيث النشأة والبداية والسبق. مفهوم البحث العلمي: ليس من اليسير أن نحصر كل التعريفات التي أُطلقت على مفهوم (البحث العلمي)، حيث تعددت تلك التعريفات وتنوعت، تبعاً لأهدافه ومجالاته ومناهجه، لكن معظم تلك التعريفات تلتقي حول التأكيد على دراسة مشكلة ما بقصد حلها، وفقاً لقواعد علمية دقيقة، وهذا يعطي نوعاً من الوحدة بين البحوث العلمية رغم اختلاف حياديتها وتعدد أنواعها.. وقد تناول العديد من الباحثين مفهوم البحث العلمي، كما اختلفت مداخلهم وتباينت اتجاهاتهم حول هذا المفهوم، فكل واحد منهم قد نظر إليه من زاويته الخاصة وحسب ميوله أو قناعته العلمية.. وعند تناول مصطلح (البحث العلمي) يُلاحظ أنه يتكون من كلمتين هما: (البحث) و(العلمي). أما البحث لغوياً فهو مصدر الفعل الماضي (بَحَثَ) ومعناهتتبع، سأل، تحرى، تقصى، حاول، طلب (وبهذا يكون معنى البحث هو: طلب وتقصي حقيقة من الحقائق أو أمر من الأمور، وهو يتطلب التنقيب والتفكير والتأمل، وصولاً إلى شيء يريد الباحث الوصول إليه(4).
أما العلمي: فهي كلمة منسوبة إلى العلم، والعلم(Science): يعني المعرفة والدراية وإدراك الحقائق.؟ والعلم في طبيعته (طريقة تفكير وطريقة بحث أكثر مما هو طائفة من القوانين الثابتة).. وهو منهج أكثر مما هو مادة للبحث فهو (منهج لبحث كل العالم الأمبريقي المتأثر بتجربة الإنسان وخبرته) (5).
أما العلم في منهجه فهو: (المعرفة المنسقة التي تنشأ من الملاحظة والتجريب، وأما في غايته فهو الذي يتم بهدف تحديد طبيعة وأصول الظواهر التي تخضع للملاحظة والدراسة، فهدفه صوغ القوانين لأنه ليس بحثاً يجد في طلب الحقيقة العظمى النهائية، وإنما هو فقط أسلوب في التحليل يسمح للعالم بالوصول إلى قضايا مصاغة صوغاً دقيقاً) (6).
ويذكر (رشوان، 1989) بأن العلم لا يصلح أن نطلق عليه علماً إلا إذا توفرت فيه الشروط الأساسية التالية: 1 وجود طائفة متميزة من الظواهر يتخذها العلم موضوعاً للدراسة والبحث. 2 خضوع هذه المجموعة من الظواهر لمنهج البحث العلمي. 3 الوصول في ضوء مناهج البحث إلى مجموعة من القوانين العلمية.
ويضيف (كورمانوف، 1983) قائلاً: إن (العلم إما أن يكون نظرياً أو تطبيقياً فالنظري يتوجه إلى شرح للواقع، والتطبيقي يتوجه إلى التأثير في الواقع ولا غاية نفعية للعلم النظري، أما التطبيقي فينظر إلى اعتبارات المردود المادي والربح) (7).
وعبارة البحث العلمي مصطلح مترجم عن اللغة الإنجليزية (Scientific Research)، فالبحث العلمي يعتمد على الطريقة العلمية، والطريقة العلمية تعتمد على الأساليب المنظمة الموضوعة في الملاحظة وتسجيل المعلومات ووصف الأحداث وتكوين الفرضيات(.
ومن أشهر تعريفات البحث العلمي: ما ذكره (خضر، 1989)، وهو أنه (عملية فكرية منظمة يقوم بها شخص يسمى (الباحث) من أجل تقصي الحقائق في شأن مسألة أو مشكلة معينة تسمى (موضوع البحث) باتباع طريقة علمية منظمة تسمى (منهج البحث)، بغية الوصول إلى حلول ملائمة للعلاج أو إلى نتائج صالحة للتعميم على المشكلات المماثلة تسمى (نتائج البحث) (9).. ويؤكد هذا التعريف على عدة أبعاد أهمها حاجة البحث العلمي من الباحث إلى التفكير العلمي المنظم، وتحديد موضوع البحث واتباع منهج منظم، والحصول على نتائج صالحة للتعميم، ومن ثمَّ حل المشكلات.
وقد ذكر (بدر، 1977) أن البحث العلمي هو (استقصاء منظم يهدف إلى إضافة معارف يمكن التحقق من صحتها عن طريق الاختبار العلمي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها) (10).
وهذا التعريف يضيف للأبعاد السابقة التي أشار إليها (خضر) بأن الهدف من التفكير المنظم هو إضافة معارف يمكن التحقق من صحتها بالاختبار العلمي.
ويعرفه (عناية، 1984) بأنه (التقصي المنظم باتباع أساليب ومناهج علمية محددة للحقائق العلمية بقصد التأكد من صحتها وتعديلها أو إضافة معلومات جديدة لها) (11).
أما (بدوي، 1968) فقد عرَّف البحث العلمي بأنه (الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقائق في العلوم بوساطة طائفة من القواعد العامة، تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته، حتى يصل إلى نتيجة معلومة أسبابها، وما يناسبها من حلول وذلك بطريقة محايدة غير متحيزة للمشكلة) (12) .
كما أورد (رشوان، 1989) تعريفاً للبحث العلمي، هو: (أنه طريقة أو منهج معين لفحص الوقائع وهو يقوم على مجموعة من المعايير والمقاييس تسهم في نمو المعرفة، ويتحقق البحث حين تخضع حقائقه للتحليل والمنطق والتجربة والإحصاء، مما يساعد على نمو النظرية) (13). وهذا التعريف يحدد للبحث العلمي معايير يتم في ضوئها إخضاع الحقائق للتحليل والمنطق والتجربة والإحصاء.
ويذكر (عاقل، 1410هـ) تعريفاً للبحث العلمي بأنه (البحث النظامي المضبوط والخبري في المقولات الافتراضية عن العلاقات المتصورة بين الحوادث الطبيعية أو الاجتماعية أو النفسية) (14).
ويؤكد هذا التعريف الجانب الإعلامي، حيث لا يقتصر الباحث في بحثه على انتهاج أسلوب منظم ومضبوط في جمع المعلومات وتحليلها والوصول من خلالها إلى إثبات صحة المعلومات بل إنه يسعى إلى نشر ما توصل إليه من نتائج.. أما (فان دالين، 1977م) فيعرِّف البحث العلمي بأنه (المحاولة الدقيقة الناقدة للتوصل إلى حلول للمشكلة التي تؤرق البشرية) (15).
. وأما (العواودة، 2002) فتعرّف البحث العلمي ببساطة شديدة بأنه: (وسيلة للدراسة يمكن بوساطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة، وذلك عن طريق الاستقصاء الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها، والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة) (16).
. ومن خلال العرض السابق لبعض تعريفات البحث العلمي يمكن القول: إن كل تعريف منها تناوله من زاوية معينة، فالبعض أبرز جانب الأهداف والبعض الثاني أبرز جانب الوظائف، والبعض الثالث أبرز جانب الأهمية أو جانب الخصائص، ولكنها في مجملها تعطي صورة واضحة لمفهوم البحث العلمي. ويري الكاتب أنه من خلال العرض السابق لمفهوم البحث العلمي
خطوات البحث العلمي: وبناءً على التعريفات السابقة، يتبيَّن بشكل بديهي أن البحث العلمي يتألف من مجموعة خطوات تتمثَّل في الشعور بالمشكلة أوبسؤال يحيِّر الباحث، فيضع لها حلولاً محتملة، هي الفروض، ثم تأتي بعد ذلك الخطوة التالية: وهي اختبار صحة الفروض، والوصول إلى نتيجة محددة، ومن الطبيعي أن يتخلل هذه الخطوات الرئيسة عدة خطوات إجرائية، مثل تحديد المشكلة، وجمع البيانات التي تساعد في اختيار الفروض المناسبة، وكذلك البيانات التي تستخدم في اختيار الفروض، والوصول إلى تعميمات، واستخدام هذه التعميمات تطبيقياً.. وهكذا يسير البحث العلمي على شكل خطوات أو مراحل، لكي تزداد عملياته وضوحاً، إلا أن هذه الخطوات لا تسير باستمرار، بنفس التتابع، ولا تؤخذ بطريقة جامدة، كما أنها ليست بالضرورة مراحل فكرية منفصلة، فقد يحدث كثيراً من التداخل بينها، وقد يتردد الباحث بين هذه الخطوات عدة مرات، كذلك قد تتطلب بعض المراحل جهداً ضئيلاً، بينما يستغرق البعض الآخر وقتاً أطول.. وهكذا يقوم استخدام هذه الخطوات على أساس من المرونة والوظيفية.. وتختلف مناهج البحث من حيث طريقتها، في اختبار صحة الفروض، ويعتمد ذلك على طبيعة وميدان المشكلة موضع البحث، فقد يصلح المنهج التجريبي في دراسة مشكلة لا يصلح فيها المنهج التاريخي أو دراسة الحالة.. وهكذا.. وكثيراً ما تفرض مشكلة البحث المنهج الذي يستخدمه الباحث.
واختلاف المنهج لا يرجع فقط إلى طبيعة وميدان المشكلة، بل أيضاً إلى إمكانات البحث المتاحة، فقد يصلح أكثر من منهج في دراسة بحثية معينة، ومع ذلك تحدد الظروف المتاحة أو القائمة المنهج الذي يختاره الباحث (17)..
المهم أن أي منهج من مناهج البحث يقوم على خطوات علمية متكاملة، ومتفقة مع الأسلوب العلمي العام الذي يحكم أي منهج من مناهج البحث..
تعدد مناهج البحث العلمي: ترجمة كلمة منهج باللغة الإنجليزية: Method ونظائرها في اللغات الأوروبية ترجع إلى أصل يوناني يعني: البحث أو النظر أو المعرفة.
والمعنى الاشتقاقي لها يدل على الطريقة أو المنهج الذي يؤدي إلى الغرض المطلوب (18).. ويرى (عسيلان، 2004): أننا في غنى عن مثل هذه الإحالة فالكلمة شائعة ومتوفرة في معاجم اللغة العربية وتعني الطريق الواضح (19)..
وفي ابتداء عصر النهضة الأوروبية أخذت الكلمة مدلولاً اصطلاحياً، يعني أنها: طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم بقدر الإمكان(20)..
ويحدد أصحاب المنطق الحديث (المنهج) بأنه: (فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين) (21).
وبهذا يكون هناك اتجاهان للمنهج من حيث اختلاف الهدف، أحدهما يكشف عن الحقيقة، ويُسمى منهج التحليل، والثاني يُسمى منهج التصنيف.. وعلى العموم فتصنيف مناهج البحث، يعتمد عادة على معيار ما، حتى يتفادى الخلط والتشويش. وعادة تختلف التقسيمات بين المصنفين لأي موضوع، وتتنوع التصنيفات للموضوع الواحد، فإذا نظرنا إلى مناهج البحث من حيث العمليات العقلية، التي توجهها، أوتسير على أسسها، أمكننا القول إن هناك ثلاثة[ size=18]أنواع من المناهج: [/size] النوع الأول: المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي: وفيه يربط العقل بين المقدمات والنتائج، أو بين الأشياء وعللها، على أساس المنطق العقلي، والتأمل الذهني، فهو يبدأ بالكليات ليصل منها إلى الجزئيات.
والنوع الثاني: هو المنهج الاستقرائي: وهو على عكس سابقه، يبدأ بالجزئيات ليصل منها إلى قوانين عامة، ويعتمد على التحقق بالملاحظة المنظمة الخاضعة للتجريب والتحكم في المتغيرات المختلفة.. والنوع الثالث: هو المنهج الاستردادي: فيعتمد على عملية استرداد ما كان في الماضي ليتحقق من مجرى الأحداث، ولتحليل القوى والمشكلات التي صاغت الحاضر.. فإذا أردنا تصنيف مناهج البحث استناداً إلى أسلوب الإجراء، وأهم الوسائل التي يستخدمها الباحث، نجد أن هناك المنهج التجريبي وهو الذي يعتمد على إجراء التجارب تحت شروط معينة، ومنهج المسح الذي يعتمد على جمع البيانات ميدانياً، بوسائل متعددة، ويتضمن الدراسة الكشفية والوصفية والتحليلية، ومنهج دراسة الحالة، وينصب على دراسة وحدة معينة، فرداً كان أو وحدة اجتماعية، ويرتبط باختبارات ومقاييس خاصة، والمنهج التاريخي، ويعتمد على الوثائق والمخلفات الحضارية المختلفة(22)..
والجدير بالذكر أن المنهج التاريخي يُعد أبسط المناهج استعمالاً كطريقة بحث إن لم يكن أساسها، وفي نفس الوقت أهمها من حيث التطبيق (23).
الموضوع صح كبير بس انتو بتستاهلوا انشاء الله تستفيدوا من الموضوع تحياتي
وهكذا تتعدد مناهج البحث العلمي بتعدد المشارب والمذاهب والإمكانيات أيضاً.